TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الفساد مرة أخرى

الفساد مرة أخرى

نشر في: 14 أكتوبر, 2012: 05:25 م

ربما تكون هذه هي المرة الثالثة او الرابعة التي أتناول فيها موضوعة الفساد ويأتي ذلك في اطار قناعتي المتزايدة يوما بعد آخر بانه المعوق الابرز امام دوران عجلة الاقتصاد العراقي وفي هذا السياق تم إثارة هذا الموضوع من جديد قبل ايام من قبل  رئيس الوزراء فهل ان ظاهرة الفساد المالي والاداري في العراق اصبحت عصية على الحل؟ وما  آثار هذه الظاهرة على الاقتصاد العراقي  سيما ان العديد من الاقتصاديين يربطون بين توسع حجم القطاع العام والفساد فكلما توسع حجم القطاع العام زادت فرص الفساد والعكس صحيح الى حد كبير وهذا ربما يثير مفارقة مفادها لماذا زاد حجم الفساد في العراق خلال السنوات الماضية على الرغم من التوجه نحو تقليل دور الدولة الاقتصادي؟

قبل الاجابة لابد من الاشارة الى ان ظاهرة الفساد لا ترتبط بحدود زمانية او مكانية فقبل خمسة آلاف سنة كتب على احدى البرديات الفرعونية ما نصه (اختلت الموازين..اختفى الحق..البعض يحاول حتى خداع الآلهة.. يذبحون الاوز ويقدمونها للالهة زاعمين انها ثيران) اما من حيث المكان فان الفساد المالي والاداري ينتشر في الشرق كما يتنشر في الغرب كما انه لا يختص بنظام سياسي معين وعلى اساس ذلك يرى بيتر أيغني مؤلف كتاب شبكات الفساد والافساد العالمية ( ان الفساد يمثل الشر الاساسي في عصرنا ، ويكمن في جذور جميع المشكلات ذات الاهمية تقريبا او يحول دون حلها على الاقل)، واذا تمت ترجمة الكلام السابق الى ارقام فان الاحصاءات الدولية تشير الى ان حجم الخسائر الناجمة عن الفساد دوليا تقدر باربعمائة مليار دولار سنويا.

ان وجود هذه الظاهرة في العراق لم يأت من فراغ وان الفساد المالي والاداري تعود جذوره الى بدايات حرب الخليج الاولى والتي تفاقمت مع الحصار الاقتصادي في عقد التسعينيات ووصلت الى الذروة في سنوات الفراغ الامني بعد عام 2003 وانتشار(الفوضى الخلاقة) التي جعلت من العراق الدولة الاولى من حيث الفساد المالي والاداري استناداً الى تقارير منظمة الشفافية الدولية.

ان المنظومة الاجتماعية والنفسية في العراق وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تعرضت لها خلال العقود الثلاثة الماضية والتي قادت الى انتشار هذه الظاهرة الا انها لما تزل ظاهرة غريبة وينظر لها بازدراء من قبل المجتمع العراقي كما انها تقف في طريق اعادة بناء الاقتصاد العراقي حيث ان الفساد يخفض الانتاجية ومعدل النمو ويحجم مستوى الاستثمار ويحد من المنافسة ويزيد الانفاق الحكومي لاسيما وان بعض الارقام تشير الى خسارة الاقتصاد العراقي اكثر من اربعين مليار دولار خلال السنوات الماضية.

نحن نعتقد ان الخطوة الاولى في بناء المنظومة الاقتصادية والسياسية في المرحلة الجديدة يجب ان تعتمد محاربة هذه الظاهرة بكل اشكالها المالية والادارية وربما تكون ستراتيجية مكافحة الفساد الاداري التي تم الاعلان عنها قبل اكثر من سنتين هي خطوة مهمة على الطريق الصحيح ولكن لم نعلم حتى الان ما نتائج هذه الستراتيجية والى اين وصلت؟ والى متى تبقى هذه الآفة تأكل كل ما نزرع من ثمار؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

 علي حسين ما أن خرج الفريق عبد الوهاب الساعدي ليتحدث إلى احدى القنوات الفضائية ، حتى اطلق بعض " المحلللين " مدفعيته تجاه الرجل ، لصناعة صورة شيطانية له ، الأمر الذي دفع...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

مثلث المشرق: سوريا ومستقبل الأقليات بين لبنان والعراق

سعد سلوم على مدار عقود، انتقلنا من توصيف إلى آخر: من "البلقنة" في سياق الصراعات البلقانية، إلى "لبننة" العراق بعد التغيير السياسي في أعقاب إسقاط نظام صدام حسين، وصولًا إلى الحديث اليوم عن "عرقنة"...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram